أنا ذلك الطفلُ.. أنا ذلك الطفلُ الذي يعرفُ باطنا قَدَميه بَلاطاتِ أرصفةِ قامشلي بكلِّ شرايينِ حِجارتِها النابضةِ حُبّاً يسري في كياني. أنا ذلك الظلُّ النحيلُ القادمُ من جهة الـسبع بَحْرات مَشياً بـــخُــفَّينِ من بلاستيكٍ مُكرَّر ورُقَعٍ يتسلل من خلالِها إبهامٌ قَـبَّلَتْ آلافَ الحصَياتِ وأنا أمضي مترنحاً نحو مركزِ الكَوْنِ، حيث تقاطعُ الشارعِ العام مع شارع الوحدة. أنا ذلك الــمُــياومُ الخجولُ القادمُ بإبهامه الجريحةِ، من هلاليةَ، مع القُبُلات الأولى من شمسِ كلِّ صباحٍ، والعائدُ مع غيابِها بِـيَوميَّةِ خمسِ ليراتٍ نقديةٍ لا يزال صدى قَرْقَعتِها يجول هناك، خمسِ ليراتٍ كانتْ كفيلةً بأن تُبقيَ يدِيَ اليمنى، أنا الأَعْسَر الأيسَر، في جيبي حتى لا أفتقدَها. أنا ذلك الطَّريدُ الصغيرُ الذي لا تزالُ عَــيْـناهُ عالقتَينِ بلعبةِ بــيانو خشبيةٍ صغيرةٍ بُـــنّـــيّةِ اللونِ، كان يخشى السؤالَ عن سعرِها، كان يخشى دخولَ الـمَحَلّاتِ الراقيةِ، لعبةِ بـيانو ذاتِ أزرارٍ بيضاءَ وسوداءَ متجاورةٍ بِـأُلفةٍ أغْرتْ فُضُولي، لعبةِ بـيانو معروضةٍ وراءَ بِلَّوْرِ واجهةِ محلِّ قريب من الكنيسةِ، في الجانبِ الجنوبيِّ من الشارع العام، لعبةِ بيانو لن تُعوِّضَني عنها اليومَ كلُّ آلاتِ البيانو الحقيقيةِ، ولنْ تُــنسِيَني صورتَها كلُّ ما يُحيطُ بعالمنا من أقدار. أنا ذلك الصغيرُ على خلاف حُلُمِه، لا يزال يتأمَّلُ خيالَه متسللاً إلى الجهة الأخرى من الحُلُمِ / اللعبةِ، خَلْفَ جِدار عازلٍ من بِلَّوْرٍ اشتقتُ إلى المكوثِ أمامَه بعد عقودٍ من سنينَ، اشتقتُ إلى إطلالةِ ذلك الخيالِ النحيل في الجهة المقابلةِ من طفل لا يزالُ حُلُمُه يَترقَّبُ تلك اللعبةَ. أنا ذلك الطفل الذي ظل يمرُّ من هناك. خالد جميل محمد سيماف خالد محمد زانا خالد محمد Lêlav Mohammed