في هِلاليّة.. وما أدرى الأُمَمَ المتَّحِدَةَ ما هلالية!

في هِلاليّة..

 وما أدرى الأُمَمَ المتَّحِدَةَ ما هلالية!

 حين كنتُ صغيراً، وما أدرى قُساةَ القلوبِ ما معنى أن يكون المرءُ صغيراً في حيٍّ على هامش الخرائط! كانتْ لي صديقاتٌ ألعبُ مَعَهُنَّ بيوتاً نَرصُفُ جُدرانَها بحجارةٍ لا تزال تُضْمِرُ اشتياقَها إلى أيدينا الناعمةِ تلمَسُها بِـلُطفٍ يُزِيلُ عنها غبارَ الإهمالِ، حِجارةٍ نُشعرُها باهتمامنا بها وحُــبِّــنا لها حُــبَّنا لذلكِ الغبارِ العالقِ بأجسادِنا الغضَّة وقد حاصرَها الحِرمانُ من كلِّ صوبٍ. وحينَ الغروبِ، كنا نرغبُ في تعليقِ الشمسِ بمِشْجَبِ الأفقِ لكيلا تَغِـيبَ، فنبقى معاً في بيوتٍ/ لُــعَبٍ لا أَسْقُفَ لها تَسْتُرُ براءَتَنا المكشوفةَ، ولا جُدرانَ تُخفي طفولةً بلا أسرار. أما وجوهُنا وأرجلُنا وأيدينا وثيابُنا فقد كانت تنقل غبارَ الساحاتِ إلى مَنازِلَ من طينٍ وحمّاماتٍ على عتبة الدار، في طَشْت يجاورهُ قَالَــبٌ من صابونِ الغارِ الأخضرِ وليفٌ من صوفٍ خَشِنٍ تَكْشِطُ به أمَّهاتُنا بَشَرَةَ أجسامِنا الرقيقةَ، تمهيداً لجولةٍ جديدةٍ من فِرارِ طفولتِنا خِلسةً، صباحَ اليومِ التالي، إلى حيث مَقْلَعَةُ قاسمو بــ(سياراتِنا) المصنوعةِ من خشبٍ وأسلاكٍ وشراشيب، و(دَرّاجاتٍ) أحاديةِ العَجَلاتِ، لا أزالُ أسمعُ أنينَها على تلك الدروبِ الوَعرَة، ونحن ندفعها هرولةً على أقدامٍ حَفِظَتِ الأمْكنةَ عن ظَهْرِ قلبٍ. ثُــمَّتَ ابْــتَــلَـتْــنا أقدارُ الـكِــبَـرِ "كَــحِـــمَّصَةٍ مُهَشَّمَةٍ على صخرةٍ"، نَثَرَتْ فُـتاتَها ريحُ أحْوالٍ/ أعوامٍ عَصَفَتْ بطفولةٍ اصطحبْنا صُوَرَها في أرواحٍ لا تزال مشدودةً إلى لعبةِ الغُمّيضَة، عصا الليل، الــحَـــجْلةِ، الدَّحاحِل وغيرِها، طفولةٍ مَضَتْ خارجَ لوائحِ حقوقِ الإنسان، ونبقى ننتظرُ أن يكونَ رونقُ الحياةِ أشدَّ بهاءً مما هي عليه الآن. في هِلاليَّة.. وما أدراهُم ما هِلاليَّة!

الصورة مقتطعة من مشهد فيديو بكاميرا الإعلامي Fared Edwar مشكوراً.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏




تم عمل هذا الموقع بواسطة