هنا هلالية.. هذا الشارع الخارج للتوِّ عن طريق قامشلي-عامودا، يَلهَث نحوَ الشمال قاصداً جهةَ نُصَيبين. إلى اليسار بيتُ جارنا فرحان حاج حميد، وفي الوسط إحدى الحَجَراتِ التي تعثَّرتْ بها طفولتي وأنا أقود سيارتي المصنوعةَ من بضعة أسلاك ومِقوَدٍ طَوَتْه الأقدارُ. أما إلى اليمين، حيث حرفا اسمَيْ عاشقين مجهولَي الهوية، بينهما قلبٌ مرسومٌ على عَجَلةٍ، كَمَنْ يزرع عُبُوَّةً ناسفة، فَـثَمّة بقايا حُجرةٍ مهدّمة، وأثرُ دارٍ لم تَعُدْ داراً، وملامحُ غُرفةٍ لم يَـبق منها سِوى بقايا كِلْسٍ على حائط كئيب دارتْ عليه نوائبُ الدهرِ وصُروفُ عُمْرٍ مضى كغمضةِ عين يتدفق منها حنين اثنينِ وخمسين عاماً من تَعَبٍ وآمال وآلام، هناك في تلك الغرفةِ اللاغرفة، عند ذاك الـشُّــبَّاك اللاشُبّاك، تسللتُ إلى هذا السجن المسمى بـ العالَم لأقول كلمتي وأمضي. هنا هلالية، هناك (أنـــا)ـيَ.